يتداول
كثير من أبناء و ساكنة ورزازات عبارات من قبيل : "نتلاقو حدا القصبة ديال
تاوريرت"، "غتكون السهرة ديال المهرجان حدا القصبة ديال تاوريرت" ... و
كثير من النسوة و الشباب يستمتعون في أمسيات الصيف خاصة بمنظر الأضواء على
أسوار و أبراج هدا الصرح المعماري، دون أن يدركوا ما تخبئه تلك الأسوار
من أحداث و أسرار شخصيات لعبت أدوارا كبيرة و كثيرة في صناعة تاريخ
المنطقة سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا... بل الأدهى أن أغلب المسؤولين
بورزازات لا يعرفون تاريخ المنطقة، مما قد يجعلهم يتخدون قرارا بهدم مآثر
لا يدركون أهميتها التاريخية، و هم بدلك يرتكبون جريمة في حق تراثنا دون
أن يعلموا... مما يستدعي منا وقفة للتأمل في تاريخه الذي يجهله أغلبيتنا
بهدف فهم حاضرنا، فما هي قصبة تاوريرت؟
إن عملية تشييد قصبة تاوريرت مرت بمرحلتين الأولى في عهد الأسرة الواوزكيطية، و الثانية في عهد الأسرة الكلاوية.
- المرحلة الأولى : تاوريرت القصر :
كانت
تاوريرت قبل الأسرة الواوزكيطية عبارة عن قصر (بمعنى دوار") "تغليت" أو
"إغرم نتسيارت" و الذي يوجد في موضع بضفة واد ورزازات (يجهل اليوم الموقع
بالضبط)، الذي هو من روافد واد درعة. هدا الأخير الذي ينبع من عمق الأطلس
الكبير، و هو نهر موسمي، و صفه الحسن الوزان (أحد المؤرخين المغاربة في
كتابه "وصف إفريقيا") في معرض حديثه عن وادي درعة، بأن ضفافه مجال
للاستقرار البشري، يقول : "يقيم السكان على ضفاف النهر الذي يحمل نفس
الاسم، و يفيض طورا في الشتاء حتى كأنه بحر ثم يجف طورا آخر في حين يمكن
عبوره بالأقدام، و عندما يفيض تسقى البلاد كلها.
و كان من وراء
تغيير دلك الموضع سكان القصر، أو بالأحرى الأعيان و الغرباء الثلاث الدين
هم من أولياء سيدي يحيى و هم : الناجم، و ادمحمد، و يحيى الدين نزلوا ضيوفا
عند أولئك السكان، و كانت معرفتهم بأحوال الوادي كبيرة لقدومهم من درعة
(زاكورة) و بالضبط من "الدويرات".
و اعترافا منهم بحسن الصانع الذي
قدمه إليهم أعيان "تغليت" نصحوهم بمغادرة ضفة الوادي إلى قمة التل
(تاوريرت بالأمازيغية) الذي يشرف على القصر. و قد رضي كل من "ايت بوخروش" و
"ايت باحدو" و "الصنهاجي" و "ايت باصالح" و "ايت لشكر"(من الأسرة
اليهودية القاطنة بالقصر)، بنصيحة أولئك الأولياء لتلافي خطر تلك
الفيضانات المفاجئة.
و كان إيمان و اعتقاد أهل المنطقة بكرامات
الأولياء و خوارقهم كبيرا في دلك الوقت، و من بين التي حفظها أهل تاوريرت :
أن أحد الأولياء وضع ثوبا تحت شجرة بالقرب من التل (تاوريرت) فتفجرت منها
عين من الماء استبشر بها أعيان القصر، فشرعوا في بناء جديد فوق التل. و
كانت أول بناية بالتل هي "تمصريت نمناين" كإقامة للفرسان و كمؤسسة سياسية
تقوم على تدبير شؤون القبيلة و الدفاع عن مصالحها.
- المرحلة الثانية : تاوريرت القصبة :
تقع
القصبة في المرتفع الذي يحده شرقا دوار سيدي داود، حيث توجد قبة الوالي
الصالح سيدي داود، و شمالا مقر تعاونية الزرابي و الصناعة التقليدية، و
كانت عبارة عن بيادر (انرارن) للقائد حمادي و لأهل تاوريرت فيما مضى، و
جنوبا واد ورزازات، و غربا المنطقة الفندقية حيث يوجد فندقا "إبيس و
ميركير" أو ما يسمى قديما بدوار تمغزازت، حيث توجد مقبرة لازالت شاهدة على
هدا الدوار، و توجد بالضبط أسفل فندق "أزغور" (بينه و بين مديرية التجهيز
لورزازات) و إلى اليوم مازالت قبة الولي الصالح بهده المقبرة قائمة تصارع
الزمن و النسيان.
و توجد القصبة الرئيسية التي يوجد بها اليوم
"مركز حفظ و توظيف و صيانة التراث المعماري بمناطق الجنوب و الأطلس
الكبير، التابع لوزارة الثقافة"، بجانب قصبة "أيت سي كريم" و هي خالية
اليوم و مهددة بالخراب، و قصبة "سي محمد العربي بن المدني الكلاوي" قائد
المنطقة الجنوبية في أيام الحسن الأول، و قد بنيت قصبة تاوريرت حوالي سنة
1171 هجرية، 1754 ميلادية.
و حين استثب الأمر لحمادي الكلاوي قام
بتوسيعها، حيث قام بجلب البنائين من "ايت بويحيى" و "امغران" و "دادس"، و
التراب من المنطقة التي تسمى "حي واد الدهب" اليوم، و الأخشاب من "واحة
فينت" ; و "واحة إغلس" و "واحة تكنزالت" و "واحة تمايوست" و من الأراضي
الفلاحية التي قام بمصادرتها من الأهالي.
أما نوعية العمل فهو جماعي
لكنه إلزامي "الكلفة" و إجباري باستغلال أفراد الدواوير التابعة لدائرة
نفوذه بالتناوب، حيث عرف عن الأسرة الكلاوية التسلط و البطش بمن لا ينفد
الأوامر، (و نذكر على سبيل المثال برج بالقصبة يسمى "برج أيت أكضيف" حيث
بناه هؤلاء الأخيرين كعقوبة بالترهيب و القتل و التعذيب بعد رفضهم لبعض
أوامر حمادي الكلاوي). و يستثنى من هدا العمل الإجباري فئات اجتماعية تحظى
بتقدير و احترام القائد الكلاوي وهي : الفقهاء، و حفظة القرآن، و الأشراف
(إكرامن) ثم الأرامل. إلا أن القصبة في عهده تظهر بنوع من العظمة و الأبهة
و وسعت من اختصاصاتها، فتجاوزتها من كونها مأوى للكلاوي و حاشيته (الحريم
و الخدم) إلى مقر للسلطة الجهوية، حيث أعطيت لها الأهمية باستعمال مواد
التزيين و الزخرفة من الخشب المنقوش على سقف بعض الغرف : كغرفة الأكل و قبة
"للاسيدي" (زوجة الكلاوي الأولى و الرئيسية).
و تتوفر القصبة على
بابان رئيسيان هما : باب شمالي، هو "إمي ننرارن" (باب البيادر) و الذي هو
المدخل الرئيسي اليوم من جهة المدرجات، و يؤدي إلى "أرحبي نكلد" (ساحة
الملك) التي تقام فيها حفلات أحواش، كما كان الكلاوي يتناقش فيها مع
القبائل و التجار شؤونهم من خلال شرفة تطل عليها، و في أحد أركان هده
الساحة يوجد مدفع من صنع ألماني يعود تاريخه إلى 1884م، و هو هدية من الحسن
الأول للمدني الكلاوي، قائد المنطقة الجنوبية في عهده، و هدا الباب مخصص
للكلاوي و حاشيته و الضيوف، كما يوجد بالداخل "ارحبي نكنسو" (ساحة الداخل)
خاص بالحريم و الخدم. و باب جنوب شرقي، هو "إمي ننضاف" أي باب الحراس، و
بعد الترميم يعلوه برج مرتفع نسبيا، و هو خاص بالعامة (المدخل من جهة دوار
سيدي داود).
و سأعود في حلقة أخرى للحديث عن بعض الأحداث و
الشخصيات داخل قصبة تاوريرت، و التي صنعت تاريخ المنطقة. كما أنني سنحاول
تسليط الضوء في حلقات على كل أيقونات تاريخ منطقة ورزازات.
و أشكر بالمناسبة السيد عبد الله أيت فاتح، على المجهودات التي بدلها لحفظ العديد من الوقائع و الأحداث، و نثمن عمله كثيرا.